ويرى مسؤولين في إدارة بايدن أن البيت الأبيض يخشى ألا يكون لدى إسرائيل خطة واضحة لما سيترتب عن غزو قطاع غزة. وتضغط الإدارة علي تل أبيب للتفكير مليا، فيما وراء الهدف المباشر المتمثل في القضاء على حماس.
وقال بعض المراقبين إن مطالبة إسرائيل السكان بإخلاء غزة في فترة وجيزة، قد تكون مهلة غير واقعية. و تسعى تل أبيب إلى الإسراع في إطلاق العملية البرية، لكن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، أكد أن إخلاء غزة سيكون “أمرا صعبا”.
وعلى الرغم من حرص إدارة بايدن على دعم إسرائيل، يقابل ذلك مخاوف مما قد يترتب عن إطلاق العنان لها في غزة. فقد يهدد قيام إسرائيل بمجازر في غزة، وعدم وجود هدف نهائي واضح، بتأجيج أسوأ أزمة تواجهها منذ 50 عامًا. كما من شأنه أن يؤدي إلى إذكاء صراع إقليمي، قد تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها صعوبة بالغة في احتوائه.
في الوقت الحالي، يسعى بايدن وفريقه إلى إظهار دعم لا يتزعزع لإسرائيل، نظراً لحجم الضربة الهائلة التي تعرضت لها من قبل حركة حماس، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي، واحتجاز العشرات كرهائن.
وقد وصف المسؤولون الإسرائيليون الهجوم بأنه مشابه ل11 سبتمبر. ورفض البعض، مثل الرئيس إسحاق هرتزوغ، فكرة أن المدنيين الفلسطينيين يمكن أن يكونوا أبرياء. وقال لو كان الأمر كذلك، “كان بإمكانهم القتال ضد نظام حماس الشرير الذي استولى على غزة في انقلاب”، وقتل أكثر من 1500 فلسطيني في الهجمات الإسرائيلية.
ونأى مساعدو بايدن بأنفسهم عن التشكيك علنا في استراتيجية إسرائيل في الحرب ضد حماس، التي تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنها جماعة إرهابية. في نفس الوقت، يحاولوا أن يكونوا حذرين، إذ قال بايدن إنه يجب علي المجتمع الدولي “أن لا يغيب عن باله حقيقة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين لا علاقة لهم بحماس”.
وتقوم الولايات المتحدة بمساعي حثيثة في المنطقة، من خلال جولات مكوكية لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى عدة دول عربية. و تتطلع واشنطن إلى منع انتشار الحرب وطلب المساعدة في إطلاق سراح الرهائن.
وفي الوقت الذي حث بلينكن إسرائيل على الدفاع عن نفسها، إلا أن تركيزه كان منصباً على مطالبة الدول الأخرى ببذل ما في وسعها لتفادي انتشار العنف.
وقال سيث مولتون، النائب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس وعضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، وخدم أربع سنوات كجندي في مشاة البحرية في العراق “إنهم بحاجة إلى خطة استراتيجية لغزة، ومن الواضح أن الخطة التي كانوا ينفذونها، لاسيما طيلة السنوات الماضية، لم تنجح”.
وقال إن إسرائيل بحاجة إلى “استراتيجية طويلة المدى لغزة، تكون أكثر فعالية من كل ما كانوا يفعلونه على طيلة الخمس عشرة الماضية”.
ويؤكد الوضع المتقلب على الأرض مخاطر إتساع رقعة الحرب. ففي الحدود مع إسرائيل، يؤكد حزب الله إنه مستعد للإنخراط في الحرب، بعد أن حذرت إيران من أن الحصار المستمر على غزة، قد يفتح جبهة جديدة في الصراع. وقد زادت وتيرة إطلاق النار عبر الحدود من كلا الجانبين.
ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق بشأن الخسائر الإنسانية في غزة، لأن ذلك يؤثر على صورتهم في المنطقة، بوقوفهم إلى جانب إسرائيل. كما أن واشنطن منشغلة بمصير عشرات الرهائن، ونحو 300 مواطن أمريكي ما زالوا عالقين في غزة.
وقالت كوري شاك، مديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاع في معهد أميركان إنتربرايز: “إن المخاوف بشأن العقاب الجماعي والخسائر في صفوف المدنيين سوف تلوح في الأفق مع تقدم العمليات الإسرائيلية لتدمير حماس”.
ومع ذلك، أكدت: “سأفاجأ إذا وضعت الولايات المتحدة أي قيود على الدعم المادي لإسرائيل، نظرا للطبيعة المروعة لهجوم حماس”.
ولم يتحدث المسؤولون الإسرائيليون إلا قليلاً عن خططهم لغزة، باستثناء تصميمهم على تدمير حماس. وقال ضابط عسكري إسرائيلي كبير سابق إنه عندما تنتهي الحرب، قد تقيم إسرائيل نظامًا عسكريًا مؤقتًا وتسليم غزة إلى قوة دولية.
وصرح جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الحكومات العربية مثل إسرائيل، في الوقت الذي تشعر فيه بالتعاطف مع محنة الشعب الفلسطيني، تنظر إلى حماس باعتبارها تهديدًا ووكيلًا لإيران في المنطقة.
وأضاف: “قد يكون هناك دور عربي في المساعدة على إضفاء الشرعية على نظام سياسي ما بعد حماس، أو حتى الإسهام في إيجاد بديل لحماس، والذي لا ينبغي أن يكون معادي لإسرائيل”.
ويهدد العدوان الإسرائيلي على غزة التقارب الهش بين إسرائيل وبعض الأنظمة العربية في جميع أنحاء المنطقة، وخاصة المساعي الرامية للضغط على المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
كما يخشى المسؤولون العرب من أن تؤدي صور المدنيين القتلى في غزة إلى رد فعل شعبي عنيف، مما يضغط على حكوماتهم لقطع العلاقات مع إسرائيل.
وقال أحد المساعدين في الكونجرس إن المناقشات حول مستقبل غزة بدأت تثار على مستوى الكونجرس. وأضاف أن أعضاء الكونجرس يدركون أن الولايات المتحدة غزت أفغانستان في عام 2001، بهدف الإطاحة بطالبان، لكن انتهى الأمر ببقاء القوات الأمريكية في البلاد لمدة 20 عامًا.
وقال ريتشارد فونتين، الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأمريكي الجديد: “يبدو أن الاستراتيجية تتمثل في دعم إسرائيل في القضاء على الجيب الإرهابي على حدودها وردع الآخرين، وخاصة حزب الله، من الانضمام إلى القتال”.
وأشار أن التفكير أبعد من ذلك، بما في ذلك السؤال الكبير حول من يحكم غزة بعد حماس “لا يزال قيد الدراسة”.
قد تكون العملية البرية لإسرائيل وشيكة، لكن ثمة مخاوف كبيرة لدى عدة أطراف غربية من أن تخطئ إسرائيل التقديرات، بحيث تتحول العمية العسكرية إلى أكبر نكسة تشهدها في تاريخها الحديث.