بلة لحبيب أبريكة، باحث في تسوية النزاعات الدولية
قال الفيلسوف والمُنظّر العسكري البروسي كلاوزفيتز، “إن الحرب هي ممارسة السياسة بوسائل أخرى”. وهذا يدل على أن لجوء الدول إلى الحرب هو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، وليست غاية في حد ذاتها.
يتميز القائد في حركات التحرر، في غالب الأحيان، بالمزاوجة بين الخبرة العسكرية و الإلمام السياسي. وعلى خلاف القائد التقليدي الذي تتسم مواقفه بكثير من الحسابات، يتخذ الثوري مواقف قد يراها آخرون مغامرة.
وإذا كان الثوري قد يبدو للبعض مغماراً، فإن مغامرته تكون، في الغالب، محسوبة وليس تهور. ومهما يكن من أمر، ينبغي عليه أن يكون شجاعاً وقت الشجاعة، مقبلا في وقت الإقبال، وأن يرعى وقت الإنسحاب.
ويمكن القول في “شريعة” الدول أن إدراك فن السياسية وفن الحرب فرض عين على القائد، وفرض كفاية على عامة الشعب.
الحرب خدعة
تواترت، في الآونة الأخيرة، الكثير من الأحداث الإقليمية والدولية، كان لها وقع كبير على النظام المغربي. دعونا نستعرض أهمها:
أولا، كانت مشاركة الرئيس إبراهيم غالي في قمة تكتل البريكس بجنوب أفريقيا صفعة مدوية للإحتلال المغربي. وقد تجلى ذلك في بيان نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء قبل الزيارة، تتهجم فيه على جنوب إفريقيا، وترفض الدعوة الموجهة لها، حيث جاء البيان ممزوج بطعم المرارة والهزيمة. و تنصلت الرباط، على مضض، من البريكس الذي كانت قد عبرت عن رغبتها في الإنضمام إليه.
يبدو أن المغرب أدرك أن حضوره قد ينجم عنه الإعلان عن إنضمام الجزائر إلى البريكس وبروز مشاركة الجمهورية الصحراوية، ولذلك خلق زوبعة مع جنوب أفريقيا للتغطية على عدم حضوره.
ثانياً، حدوث إنقلاب على الرئيس الغابوني علي بونغو، صديق المغرب، وتربطه علاقات شخصية وثيقة مع ملك المغرب محمد السادس، ومصالح اقتصادية كبيرة مع بلده. الإنقلاب إن كانت لا تعرف مآلاته على المغرب، إلا أنه خلق في نفس النظام درجة كبيرة من عدم الارتياح.
كما أن مجموعة غرب إفريقيا، التي تعتبر الباحة الخلفية للرباط، وطلبت الانضمام إليها في السابق، و تعتمد عليها سياسياً واقتصاديا، تتوالى فيها الانقلابات، ويسود عدم الاستقرار في بعض بلدانها.
ثالثاً، أطلقت الجزائر مبادرة سياسية لحل الأزمة في النيجر، التي قد تؤسس لمخرج سلمي في البلد، يوصد الباب أمام الاحترابيين من مجموعة الإيكواس التي لا تخلو، بعض دولها، من نفوذ فرنسي. هذا يبرز دور الجزائر المحوري في المنطقة والقارة الإفريقية، في حين يضعف موقف المغرب الذي يعتبر نفسه منافس إقليمي لها.
رابعاً، عزل وزيرة خارجية ليبيا السابقة نجلاء المنقوش وفرارها إلى لندن، التي كانت تخدم بعض أجندات بوريطة. يذكر أن الرباط احتفت بلقائها بوزير خارجية إسرائيل، حيث رأت فيه تخفيفا من الضغط الشعبي، ومتاعب التطبيع عليها.
خامساً، وربما تكون النقطة التي أفاضت الكأس، هي زيارة وفد أمريكي رفيع يقوده نائب وزير الخارجية المكلف بالشرق الأدنى إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين واللقاء بقيادة جبهة البوليساريو.
إشارات أمريكا من وراء زيارة الوفد الأمريكي
- عدم اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية
- التأكيد على اعتراف الولايات المتحدة بجبهة البوليساريو كحركة تحرير وطنية والطرف المعني في النزاع
- دعم المبعوث الشخصي ستيفان ديمستورا و حلاً في إطار الأمم المتحدة.
ضمن كل هذا، يتضح الضغط الواضح من قبل الإدارة الأمريكية على المغرب لكي يسمح للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان ديمستورا من زيارة المدن المحتلة من الصحراء الغربية، بعدما عطلت الرباط تلك الزيارة في يوليو 2022.
تعصف زيارة المبعوث كذلك بكل جهود المغرب في قضية الصحراء الغربية التي سعى إلى بنائها منذ 13 نوفمبر 2020، للضغط على الأوروبيين، لكي يحذو حذو موقف إدارة الرئيس الأسبق ترامب، أو ما سماه بوريطة “خروج من منطقة الراحة” وأطلق عليه الملك محمد السادس ” المنظار الذي يقيس ، به نجاعة الشراكات والعلاقات مع الدول”، بخصوص قضية الصحراء الغربية.
وسط الاصطفافات الدولية الراهنة التي أججتها الحرب في أوكرانيا، وما يشبه حربا باردة بين القوى الكبرى، وتنويع الدول شركاتها ضمن المحورين المتصارعين، اتجه المغرب حصراً إلى الغرب، وقدم دعماً عسكرياً لأوكرانيا. فُهم ذلك في الأوساط الغربية أنه تودد، وأساسا للولايات المتحدة الأمريكية، لدعم موقفه من قضية الصحراء الغربية.
كان المغرب منشغلا من تتابع هذه الأحداث، في ظل محدودية الخيارات والبدائل للتغطية على ما يجري .
استهداف المغرب قائد ناحية وعضو أمانة وطنية، قيادي في جبهة البوليساريو الشهيد أبا عالي حمودي ورفاقه، تزامنا مع زيارة الوفد الأمريكي، كان فرصة للمغرب للتغطية على أحداث سياسية مقلقة، يرى أنه حققها خصومه. وقد سمحت له تحويل الانتباه عن زيارة الوفد الأمريكي إذ يجعل الرباط تبدو، منتصرة، ولو تكتيكيا، مع أن الأمر خلاف ذلك.
من الواضح أن جبهة البوليساريو تحقق مكاسب سياسية ودبلوماسية معتبرة، لكن عليها أن تعرف كيف تحافظ عليها.
قد تكون حروب الاستنزاف إستراتيجية ناجعة في ظل عدم تكافؤ القوة، لكن يجب تقدير بدقة ما قد تسفر عنه أحيانا من نتائج عكسية، بحيث لا تكون عائق للزخم السياسي والانتصارات الدبلوماسية المحققة.
وجدت الحرب لخدمة السياسة ؛ فإذا كان العدو واقع تحت ضغطا سياسيا هائلا، فينبغي توخي الحذر من منحه فرص عسكرية، لتحقيق أهدافه، والتغطية على فشله السياسي والعسكري.