ترجمات

“السياسة الخارجية المغربية تترتب عنها نتائج عكسية، جعلت من الصحراء معيار لبناء الصداقات أو العداوات “

تراقب منذ عقود الرمال المتحركة لشمال إفريقيا، وعلاقاتها التي تتسم دائما بالتعقيد، على الجانب الآخر من ضفة البحر الأبيض المتوسط.

مقال مترجم من موقع الأندبندينتي، تحرير فرنسيسكو كاريون.

ترجمة: القائد الناجم

تنظر خديجة محسن فينان، مفكرة سياسية ومؤرخة من أصل تونسي، بحالة من الريبة إلى المنحى الذي سلكه المغرب، المتورط في أزمة عميقة مع الجزائر، و منهمكا في رجعية إلى نزعة قومية باتت تحدد سياسته الخارجية.

تحذر محسن فينان من أن “العلاقات بين الجزائر والمغرب تمر بأزمة خطيرة أصبحت هيكلية”. ففي آب/ أغسطس 2021، أعلن النظام الجزائري قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط ، بدعوى “أعمال عدائية”، من بينها التجسس على كبار المسؤولين الجزائريين عبر برنامج بيغاسوس. ويعد الخلاف الطويل حول الصحراء الغربية الخلفية لما يجري. ولا تستبعد الخبيرة حتى سيناريو التصعيد العسكري الذي يغذيه “التقليل المحتمل للمغرب من شأن القوى المنافسة له”، والتوترات الداخلية في الجزائر.

وأدت العلاقات المنهارة تماماً بين دول الجوار إلى نقل العدوى إلى فاعلين آخرين، من بينهم إسبانيا و تونس. تعتمد تونس بشكل كبير على الجزائر في طاقتها واقتصادها وأمن حدودها، لذلك لم يعد البلد يمتلك الوسائل التي تجعله يبقى على الحياد . كان بورقيبة ينادي بالحياد الإيجابي، أي أن بمقدور تونس أن تعمل، في آخر المطاف، كمفاوض بين الطرفين. اليوم، يعتمد نهج السلطات المغربية والجزائرية على مقاربة: “إما معي أو ضدي”. وهذا وضع صعب للغاية بالنسبة لتونس، لأنها لا تريد أن تصنع عداوات مع المغرب ، ولا مع الجزائر “.

العهد الجديد مع إسبانيا

السيناريو نفسه ينطبق على إسبانيا من خلال التحول الجذري في النزاع حول الصحراء الغربية كضريبة لإعادة فتح الحوار مع الرباط. ويعد “القرار الإسباني موقف سياسي يقوم على أساس ارتباط اقتصادي مكثف بين البلدين. السؤال المطروح هو ما إذا كان هذا القرار حاسم، وكل الفاعلين الرئيسيين في إسبانيا اختاروا المغرب، لكن نتائجه  كانت واضحة، وانعكست في الأزمة بين إسبانيا والجزائر. يجب أن لا تقع الصداقة بين المغرب وإسبانيا على حساب بلد مغاربي آخر مثل الجزائر. من نافلة القول، إن جوهر المسألة في كل هذا، هو أن حل نزاع الصحراء الغربية أصبح ضروري للغاية “.

وترى فينان أن المعادلة التي فرضتها الدبلوماسية المغربية تنتج علاقات دبلوماسية مبنية على الخوف من رد فعل غاضب من الجار. “عندما قرر فتح الأبواب أمام الهجرة ، كان المغرب وإسبانيا أعداء معلنين. الآن، هم أصدقاء، لكنها روابط هشة للغاية. لا ينبغي أن تُبنى العلاقات على الهجرة أو الاعتراف بالصحراء، إنما يجب أن تستند إلى أسس أكثر استقرارًا، و قيم واعتراف مشترك. و يظل السؤال الذي ينبغي الإجابة عليه، هو ما إذا كانت العلاقات الإسبانية المغربية اليوم حسنة بما فيه الكفاية بفضل الصحراء ”.

الصحراء كوسيلة

وتعترف المحللة  أنه، في ظل الوضع الراهن، من “المستحيل” الحفاظ على التوازن لإرضاء المغرب والجزائر، وأن ذلك يندرج ضمن استراتيجية هندستها دوائر المخزن. “لقد أوضح محمد السادس أن المنظار الذي يتم من خلاله رؤية الحلفاء يبنى على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء. بمجرد أن قال ذلك ، فإنه قسّم الدول إلى صنفين: دول صديقة وأخرى معادية. أعتقد بصدق أن فهم العلاقات الدولية على هذا النحو ضار جدًا.”

وتكمن جوهر القضية في أن الدبلوماسية مغربية اختارت أن تلعب كل أوراقها، ودفعت بمطالبها إلى أقصى الحدود.” هذه السياسة تأتي بنتائج عكسية. وتضيف محسن فينان عضو هيئة تحرير مجلة أورينت القرن 21 “أن مفهوم المغرب اليوم للعلاقات الدولية وعلاقات الجوار، يعني أن كل شيء يمر عبر الصحراء الغربية. وبالنسبة لي ، هذه ليست طريقة جيدة لتصور العلاقات الدولية أو علاقات الجوار”، ويعد “ربط كلتا القضيتين يؤدي إلى التصعيد”. فذلك يمنع الدول التي يمكن أن تكون أصدقاء أو حلفاء من اتخاذ موقف الحياد الواضح. هذه قضية يجب معالجتها في الأمم المتحدة، وأي محاولة لإخراجها من هذا الإطار، يمكن أن تترتب عنها عواقب وخيمة “.

التحالف مع إسرائيل

على الجانب الآخر من المضيق، تسعى السياسة الخارجية التي يقودها وزير الخارجية ناصر بوريطة إلى التمسك بقضية، تحاول إجهاض عملية تصفية الاستعمار التي قامت بها الأمم المتحدة حول الصحراء، المستعمرة الإسبانية السابقة التي احتلتها الرباط منذ عام 1976. وقد ساهمت عدوانيته المتزايدة، وحصوله على مساندة مزعومة في إتجاه الالتزام بأطروحاته، موقف دونالد ترامب المثير للإنتباه و تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الأمر الذي فتح أمامه  أبواب جديدة في اقتناء السلاح.

وتشير محسن فينان أن ” أعظم مكسب لهذا التعاون مع إسرائيل بالنسبة للمغرب يكمن، أولاً وقبل كل شيء، في جانبه الاستراتيجي. وتؤكد محسن فينان أنه يمكن لإسرائيل، من خلال تقنيتها ، وأسلحتها على وجه الخصوص، أن تساعد المغرب على أن يكون القوة الإقليمية التي تطمح إليها في المغرب العربي وفي غرب إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط”

وتضيف المحللة أن “هذا ما تعتبره الجزائر تهديدا حقيقيا. فالصراع على الزعامة الإقليمية بين الجزائر والرباط، يمكن أن يفضي إلى نجاح لصالح للمغرب، خاصة وأن المغرب في شمال البحر الأبيض المتوسط ​​يحظى الآن بدعم إسبانيا “. “ولذلك يتخذ الصراع بين الرباط والجزائر شكلاً آخر. لا يزال الأمر مرتكزا  على الزعامة الإقليمية ، ولكن ليس من خلال الأدوات المعتادة كالتسلح أو الصحراء أو القانون الدولي، بل بالأحرى يعتمد على شركائهم. ومن هنا يكمن غضبه من عدم وجود فرنسا بين مؤيديه.

هذه التطلعات تلقي بظلالها على الوضع الداخلي الدقيق. وترى الخبيرة السياسية أنها  “تمر بصعوبات بسبب الجفاف وإعادة توزيع واستيراد المنتجات بسبب الحرب في أوكرانيا. كل هذا يعني أن الوضع الاجتماعي ساء وحدثت مظاهرات”. وتؤكد أن “تقدم المغرب على المستويين الدولي والاقتصادي، يجب أن ينعكس على مستوى إعادة التوزيع ومستوى حياة المغاربة”. تنضاف هذه الاضطرابات إلى غياب الملك. وشددت على أن ذلك يطرح ” مشكلة، لأننا لسنا بصدد ملكية دستورية”.

” لو كان الأمر كذلك، بحيث تدار السياسة من قبل الحكومة، لما طرح ذلك أية مشكلة. وأوضحت أنه في حالة المغرب، فإن وجود الملك ضروري لحكم البلاد ، لكنه يكتسي أهمية أيضًا من الناحية الرمزية “.و “يجب أن يكون الملك مرئيًا، يقوم بالتهدئة والمصالحة ولم الشمل. في الثقافة السياسية للمغرب، كل شئ مرتبط بالملك، ومن المنتظر أن يكون  حاضرا، وأن يؤدي دوره كحكم بين القوى السياسية في المغرب “.