ترجمة: بلة لحبيب آبريكة
أشار كاتب عمود في صحيفة النييورك تايمز، توماس فريدمان، في مقاله بعنوان “أسوأ يوم لإسرائيل في الحرب”، إن هجوم حماس على إسرائيل يعد أسوأ يوم مرت به إسرائيل من الناحية العسكرية في تاريخها، يضاهي إلى أبعد الحدود “الخطأ الفادح الذي وقع في حرب يوم كيبور الفظيع”.
وقال إن هذه الحرب لا تشبه الحروب المعتادة بين حماس وإسرائيل، لأن الفوضى التي قد تنجم عنها، قد لا تقتصر على الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل قد يبلغ مداها السياسي أوكرانيا والمملكة العربية السعودية وإيران.
ويجادل الكاتب أن نشوب حرب طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس، من شأنها أن تحول مسار المعدات العسكرية الأمريكية التي تحتاجها كييف إلى تل أبيب، وستجعل صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية المقترحة مستحيلة، في الوقت الراهن.
ويضيف أنه إذا تبين أن إيران شجعت على هجوم حماس، لإحباط الصفقة الإسرائيلية السعودية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر بين “إسرائيل وإيران، ووكيل طهران اللبناني، حزب الله، وكذلك بين المملكة العربية السعودية وإيران”.
ويرى فريدمان أن السبب الذي يجعل هذه الحرب كارثية على إسرائيل، وأسوأ من هجوم يوم كيبور المفاجئ، من قبل مصر وسوريا، هو أنها “تنطوي على إذلال كبير للجيش الإسرائيلي”.
ويفسر أن في عام 1973، تعرضت إسرائيل لهجوم من قبل أكبر جيش عربي وهو مصر. هذه المرة، تم غزوها في 22 موقعًا، خارج قطاع غزة، بما في ذلك مجتمعات محلية داخل عمق إسرائيل، من قبل قوة عسكرية بحجم ” دولة لوكسمبورغ”.
ومع ذلك، يضيف الكاتب أن هذه القوة الصغيرة، لم تغزو إسرائيل فحسب، بل تغلبت على قوات الحدود الإسرائيلية، فقد أخذت رهائن إسرائيليين إلى غزة عبر نفس الحدود، و”هي الحدود التي أنفقت عليها إسرائيل ما يقرب من مليار دولار، لإقامة جدار كان من المفترض أن يكون غير قابل للاختراق”.
وأكد أن أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية استخفت بالمناورات العسكرية التدريبية التي كانت تجريها حماس قبل الهجوم. ثقتها الزائدة في مقدرتها على اختراق حماس والمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية والحصول على إنذارات مبكرة، وانسياقها وراء حاجة حماس الماسة إلى المزيد من المساعدة المالية من قطر، جعلتها تستبعد هذا السيناريو.
ويشير الكاتب إلى أن تفسير المخابرات لتحركات حماس أنهم كانوا فقط يتدربون على شيء لن يجرؤوا على القيام به أبدا، كان “حكمًا سيئًا وغطرسة،” لأن حماس شنت “غزوًا معقدًا ومتطورًا، لا مثيل له، من البر والبحر.”
ويعتبر أن أفظع جزء في هذه الحرب، كان اختطاف عدد من الإسرائيليين وإعادتهم إلى غزة. فقد ظهرت امرأة إسرائيلية مسنة مختطفة يتم إعادتها إلى غزة على عربة غولف من قبل ما وصفهم بمسلحي حماس، وامرأة أخرى محشورة بين مقاتلين على دراجة نارية، وجثث إسرائيلة تسحب في الشوارع.
ولا يستبعد فريدمان أن تكون مسألة مقايضة الأسرى مع حماس عويصة جدآ بالنسبة لنتنياهو. ففي عام 2011، أثناء فترة حكمه رئيساً للوزراء، قام بمقايضة 1027 سجيناً فلسطينياً، من بينهم 280 يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، مقابل استعادة جندي إسرائيلي واحد وهو جلعاد شاليط.
ويؤكد الكاتب أنه قد يُطلب من نتنياهو إخلاء كل السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين، إذا كانت حماس تحتجز كبار السن والأطفال في غزة.
وعلى الرغم من أن نتنياهو وعد بتوجيه ضربة ساحقة لحماس، يتساءل فريدمان عما إذا كانت إسرائيل بمقدرتها القيام بذلك، في حالت كانت حماس تحتجز مدنيين إسرائيليين يمكن استخدامهم كدروع بشرية.
ويضيف أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ستعكف، في الوقت الراهن، على إدارة الحرب واتخاذ قرارات مؤلمة بشأن المقايضات والانتقام واستعادة الرهائن من حماس، وربما حتى غزو غزة، لكن يرى أنه لابد أن يكون هناك محاسبة وتحقيق ينتظرهم.
ويلقي فريدمان بالنائحة على نتنياهو، إذ يعتبر أن منذ وصوله إلى السلطة، انتهج سياسية الحقت أضرارا فادحة بإسرائيل. ويعتبر أن أولويته كانت الانقلاب على القضاء، لتجريد المحكمة الإسرائيلية من سلطتها.
وفي خضم هذه المعركة القضائية، يرى الكاتب أن نتنياهو قوض المجتمع الإسرائيلي وجيشه، وألحق أضرارًا بالوحدات الاحتياطية للجيش، “مما أدى إلى خفض الاستعداد والقدرة التشغيلية”.
ويقول فريدمان إنه بقدر ما كان نتنياهو سيئاً بالنسبة لإسرائيل، فإن حماس كانت “لعنة مميتة للشعب الفلسطيني منذ أن استولت على غزة في عام 2007”. ويعتبر أنه كان من الممكن أن تذهب المساعدات التي تلقتها حماس من قطر وحدها على مر السنين، والتي تجاوزت المليارات من الدولارات، إلى بناء غزة، وإنشاء مجتمع منتج، يتمتع بمدارس وجامعات وبنية تحتية لائقة، ربما يكون نموذجًا للدولة الفلسطينية المستقبلية مع الضفة الغربية.
وبدلاً من ذلك، يذهب فريدمان إلى أن حماس كرست معظم طاقاتها ومواردها لحفر الأنفاق إلى داخل إسرائيل، وصناعة الصواريخ، لمحاولة تدمير عدو أقوى منها بكثير، و حرمان سكان غزة من أي فرصة لتحقيق إمكاناتهم الكاملة، من خلال حكومة محترمة وديمقراطية ونزيهة.
ويتساءل الكاتب عن دوافع حماس من وراء شن حرب في هذا التوقيت، من دون استفزاز مباشر من إسرائيل؟ ويرى أنه يتعين على المرء أن ينظر ما إذا كان ذلك حدث نيابة عن الشعب الفلسطيني، أو بناء على طلب من إيران، المورد الرئيسي للمال والسلاح لحماس، بهدف منع تطبيع للعلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، منافس إيران في المنطقة.
وأضاف أنه كان من شأن هذه الصفقة أن تفيد أيضًا السلطة الفلسطينية، الأكثر اعتدالًا في الضفة الغربية، من خلال تزويدها بعدد ضخم من الأموال من المملكة العربية السعودية، فضلاً عن فرض قيود على بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغيرها للحفاظ على حل الدولتين.
ونتيجة لهذه التطورات السياسية، يعتبر فريدمان إن زعماء الضفة الغربية، ربما اكتسبوا جرعة زائدة من الشرعية المطلوبة بشدة من جانب الجماهير الفلسطينية، الأمر الذي يهدد شرعية حماس.
ويجادل فريدمان أن الاتفاق الأمريكي السعودي الإسرائيلي، كان يمكن أن يكون بمثابة زلزال دبلوماسي، سيتطلب على الأرجح من نتنياهو التخلص من الأعضاء الأكثر تطرفًا في حكومته مقابل تشكيل تحالف بين الدولة اليهودية ودول الخليج العربي. ويرى أن ذلك كان من الممكن أن يشكل أحد أكبر التحولات العميقة في المنطقة منذ 75 عامًا.
ويقول إنه في أعقاب هجوم حماس، أصبحت هذه الصفقة، في حالة جمود كبير، حيث اضطر السعوديون إلى ربط موقفهم بشكل أوثق، من أي وقت مضى، بالمصالح الفلسطينية، وليس فقط مصالحهم الخاصة.
و من جانب اخر، يعتبر فريدمان أن إستمرار الحرب في إسرائيل، من شأنه أن يقلق اوكرانيا؛ فعلاوة على معارضة أقلية من الجمهوريين تقديم مساعدات مالية وعسكرية إضافية لها، فإذا كانت إسرائيل على وشك اجتياح غزة وخوض حرب طويلة، فسوف يكون لزاماً على أوكرانيا أن تقلق بشأن المنافسة من تل أبيب على صواريخ باتريوت و قذائف المدفعية من عيار 155 ملم وغيرها من الأسلحة الأساسية التي تحتاجها كييف.
ويتفاءل الكاتب إنه في خضم هذه الحرب الرهيبة بين حماس وإسرائيل، لا تزال هناك فرصة، مثلما تحولت حرب يوم الغفران إلى فرصة انتهت باتفاق سلام مع مصر.
وقال إنه في ضوء ما فعله الفلسطينيون اليوم، يمكنهم “المطالبة ببعض النصر”، بغض النظر عما سيترتب عن العملية العسكرية التي يقوم بها نتنياهو”.
ويختم فريدمان مقاله أن الدرس المهمة في هذا الصراع هي أن على المرء أن يفكر فيما هو أبعد من المزيد من إستخدام القوة، في التعامل مع الوضع، و”إلا فعاجلاً أم آجلاً، سنعود إلى نفس الوضع، بل إلى ما هو أسوأ”.
ويقول كان ” هذا هو الدرس الحقيقي المستفاد من حرب يوم الغفران”