قضايا سياسية

حركة المقاومة الفلسطينية تقوض مساعي الرياض وواشنطن للإلتفاف على الحق الفلسطيني

يفرض خيار حل الدولتين نفسه في ضوء االتوتر الحاصل بين الاسرائليين والفلسطينيين، والمتغيرات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، على الرغم من أن اليمين المتطرف في إسرائيل يرفضه.

أطلقت كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، أمس، عملية عسكرية مباغتة ضد إسرائيل، شملت اقتحام مستوطنات وأسر عشرات الإسرائيليين، وشن رشقات صاروخية في الداخل الإسرائيلي.

وقد تسببت العملية العسكرية في خسائر فادحة للجيش الإسرائيلي، راح ضحيتها، إلى حد الآن، ستمائة قتيل وألاف الجرحى، وأسر أكثر من مئة جندي، وخسائر في المعدات العسكرية.

ويعزي المراقبين تصاعد التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وعلى رأسها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو و المتطرفين الدينيين، و اليمين المتشدد، الذي ظل يرفض التسويات السلمية، ويستمر في التوسع، وبناء المستوطنات.

ويتحمل المجتمع الدولي، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، جانب كبير من المسؤولية، بسبب دعم انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، ومصادرة حق الشعب الفلسطيني في الوجود.

ظلت إسرائيل، منذ تأسيسها عام 1948، تراهن على المعادلة العسكرية، كوصفة مثلى للتعامل مع محيطها العربي، في إطار سياسة الأرض مقابل السلام، و التي تحولت لاحقا إلى السلام مقابل السلام.

وفي ضوء تقييم إدارة الديمقراطيين للوضع في الشرق الأوسط، أثناء إدارة أوباما، حثت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على ضرورة الانخراط في مقاربة حل الدولتين، بحجة أن التفوق الإسرائيلي العسكري مؤقت، وأن التكنولوجيا العسكرية المتطورة قد لا تبقى حكراً عليها لوحدها في المستقبل المنظور.

و أشار أوبامام في مذكراته ” الأرض الموعودة” أن نتنياهو استمر في التعنت والمكابرة، وقدم إلى أمريكا وتحدث أمام منظمة ايباك، يتحدى فيها سياسته تجاه إسرائيل.

وكان مستشار الأمن القومي الأسبق، زبيغيو برجنسكي، وأحد كبار المنظرين السياسين في الوسط الأمريكي، يدعو إلى حل الدولتين على أساس حدود 67، كحل أمثل قابل للحياة بين الإسرائليين والفلسطينيين.

تقوم مقاربة بريجنسكي على حق عودة الفلسطينيين في حدود ضيقة، القدس عاصمة الدولتين فلسطينية وإسرائيلية، وضمانات أمنية لإسرائيل تتمثل في دولة فلسطينية منزوعة السلاح، أو إرساء قوة من حلف الناتو في نهر الأردن للدفاع عن أمن إسرائيل.

يبدو من الواضح أن المعطيات الإقليمية في الشرق الأوسط، مثلما كان يتوقع أوباما، تغيرت، بحيث لم تعد إسرائيل القوة الإقليمية المسيطرة، وازدادت قوة محور المقاومة، و نفوذ إيران، كلاعب إقليمي رئيسي، يمتد إلى سوريا ولبنان و الأراضي الفلسطينية المتاخمة لإسرائيل.

وفي ظل التوتر الذي باتت تعيشه المنطقة والمتغيرات الإقليمية، يفرض حل الدولتين نفسه أكثر فأكثر، على الرغم من أن اليمين المتطرف في إسرائيل يرفضه.

عملية التطبيع

تحدثت وسائل إعلام أمريكية، منذ أيام، عن استعداد وفد يضم أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي للتوجه إلى السعودية وإسرائيل، قبل الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن، في إطار التفاهم بشأن الضمانات المرتبطة بعملية التطبيع بين الرياض وتل أبيب.

وأشار موقع التايمز أوف إسرائيل أن نتنياهو لا يقيم أي وزن للسلطة الفلسطينية في المفاوضات المرتقبة، بل ذهب إلى حدود قصوى، عندما وصف رئيس الحركة الفلسطينية محمود عباس أنه مجرد “عمدة بلدية رام الله”، و لن يكون له دور في شروط الإتفاق.

و كانت صحيفة الغارديان قد تحدثت عن قلق المفاوضون الفلسطينيون من الإتفاق المحتمل بين الرياض وتل أبيب، أن يجري على حساب الحق الفلسطيني. وقال مسؤول فلسطيني إن حقيقة أن السعوديين يتحدثون عن الملف الفلسطيني على أنه أسهل في التعامل معه من الملف النووي، تظهر حجم العمل الذي يجب القيام به.

وسواء تعلق الأمر بصفقة القرن التي استحدثها ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، أو عملية التطبيع التي انخرطت فيها بعض الدول العربية على حساب الحق الفلسطيني، والتي تحاول إدارة بايدن أن تحافظ على زخمها، فإن الأحداث التي جرت مؤخراً، قد أربكت المشهد في المنطقة، و من شأنها أن تعزز الدور الفلسطيني في أي تسوية سياسية قادمة.

وعلى الرغم من أن خطاب الرئيس الأمريكي بايدن، أمس، أعرب عن وقوف بلاده إلى جانب إسرائيل، إلا أن المسؤولين الأمريكيين قد يرون ما حدث في إسرائيل من شأنه أن يضعف من موقف نتنياهو واليمين المتطرف في حكومته، الذي كان يرفض تقديم تنازلات ذات معنى للفلسطينيين، مقابل نجاح عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل.

في المقابل، لايبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية سيفكران في الإنخراط في أية مفاوضات من دون أن تكون تل أبيب في موقف قوة، عكس ما يبدو عليه الحال في الوقت الراهن، عقب عملية المقاومة الفلسطينية التي أبانت ضعفها.

مأزق التطبيع

تشير بعض وسائل الإعلام إلى إستعداد المغرب لاحتضان قمة النقب الثانية نهاية هذا الشهر، التي تضم الدول التي طبعت العلاقات مع إسرائيل: الإمارات، والبحرين ومصر و المغرب.

وقد تضع العملية الناجحة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية الأنظمة العربية المطبعة في احراج شديد أمام شعوبها، حيث من شأن ذلك أن يكبح مسار التطبيع- ولو مؤقتاً- الذي كان يحظى ببعض الزخم السياسي في الاونة الأخيرة.

من غير المستبعد أن تتريث السعودية التي كانت تسير في خط التطبيع، مقابل تلبية حزمة المطالب التي اشترطتها، وأن تأخذ على محمل الجد حقوق الشعب الفلسطيني في مفاوضات مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي.

تعزز العملية العسكرية الناجحة التي نفذتها عناصر المقاومة الفلسطينية من الحضور السياسي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية، وقد تقوض أي مخططات ترمي للالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني.