أفكار وآراء

خيارات إسرائيل الصعبة في الرد على حماس

قرر أريال شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، وأحد كبار القادة العسكريين في إسرائيل، إخراج الجيش من غزة، عندما أدرك أنها مستنقع.

تحرير: بلة لحبيب أبريكة

تشير معظم التقديرات أن إسرائيل تحضر لعملية عسكرية لاجتياح غزة. فقد لا ينظر إلى الضربات الجوية المستمرة التي قامت بها إسرائيل، مهما كانت درجة تدميرها ومخلفاتها، أنها أعادت ترسيخ مفهوم الردع وهيبة إسرائيل. كما أنها لا تحرم حماس من الاحتفاء بنصر باهر سيتردد صداه في المنطقة لعقود من الزمن.

وبحساب معادلة الربح والخسارة في هذه المواجهة، فإن إسرائيل مهزومة إلى حد هذه اللحظة. وإذا ترسخت الهزيمة، فإن شعار إسرائيل أكبر قوة في المنطقة، سواءً كان حقيقياً أو وهميا، سيتصدع.

تبدو إستراتيجية الحصار الشامل التي تنتهجها إسرائيل، كمرحلة أولية، ذات تأثير كبير على قطاع غزة، لكن قد لا تعيد لإسرائيل الحد الأدنى من الهيبة المسلوبة. وحسب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، تخطط إسرائيل “للقضاء على قدرات حماس”، وهو مالا قد يتحقق عن طريق الحصار أو الغارات الجوية.

وهذا يجعل التدخل البري راجحاً جداً، على الرغم من أن إسرائيل سعت، مرارًا وتكرارًا، إلى تفادي جرها إلى مثل هذه التوغلات في الماضي. وإذا كان سيناريو التدخل العسكري، خيار لا مفر منه بالنسبة لاسرائيل، فإنها تنتظرها خيارات صعبة، بشأن التعامل مع حركة حماس.

وبقدر ما سيكون مثل هذا الغزو صعبًا على الجيش الإسرائيلي، فإنه سيكون مدمرًا للمدنيين الفلسطينيين. تعد غزة من بين أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان، وهذا يجعل الهجمات في المناطق الحضرية من بين أصعب العمليات التي يمكن أن يقوم بها الجيش الإسرائيلي وأكثرها دماراً.

كان آخر توغل بري قامت به إسرائيل في غزة عام 2014، في إطار عملية أطلق عليها “الجرف الصامد”، استمر حوالي أسبوعين، ولم تتوغل فيها إسرائيل سوى بضعة كيلومترات داخل القطاع.

وأدى القتال في هذين الأسبوعين إلى مقتل حوالي 66 جنديا إسرائيليا، وستة مدنيين، وأكثر من 2000 فلسطيني (معظمهم من المدنيين)، على الرغم من أنه من الصعب معرفة عدد الضحايا الحقيقي.

وبعيداً عن غزة، يتعين على إسرائيل أيضاً أن تتعامل مع التهديدات المتصاعدة في جبهتين رئيسيتين؛ الأولي، هي حدودها الشمالية مع لبنان وسوريا، والتي شهدت أزمة كبيرة هذا العام. وقد ينخرط تنظيم حزب الله في المعركة، حيث أطلق صواريخ و وقصف بالمدفعية على مرتفعات الجولان ومن مزارع شبعة في لبنان على إسرائيل.

وقال الجيش الإسرائيلي أيضًا إنه قتل عددًا غير معروف من المتسللين من لبنان، وبدأ غارات جوية في جنوب لبنان يوم الاثنين. وهذا يؤكد أن الوضع على الحدود غير ثابت، ويمكن أن يتغير بسرعة.

والثانية، هي الضفة الغربية، حيث دعت حماس صراحة الفسطينيين إلى المقاومة و حمل السلاح. وهذا يجعل المنطقة مقبلة على اضطرابات كبرى. حتى قبل الغارات الإسرائيلية التي شنتها نهاية الأسبوع الماضي، كان العنف في الضفة الغربية يتزايد، إلى درجة أن المحللين كانوا يتحدثون عن نشوب انتفاضة ثالثة.

لقد أثارت العملية العسكرية لإسرائيل في غزة عام 2014، مظاهرات عارمة في الضفة الغربية، وليس هناك سبب يدعو إلى الظن بأن العمليات الإسرائيلية الحالية لن تلقى نفس المعارضة والمقاومة.

وسبق لإسرائيل أن نفذت عملية برية، هذا العام، في الضفة الغربية، على مخيم جنين للاجئين. وقد تتدخل مرة أخرى، إذا رأت أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع إحتواء عصيان الشعب، وانفجرت عليها هذه الجبهة.

يرى توماس فريدمان، كاتب عمود في صحيفة النييورك تايمز، أنه سبق لإسرائيل أن جربت التواجد في غزة، لكن أريال شارون، أحد كبار قادتها العسكريين الذي ينتمي إلى جناح الصقور، قرر إخراج الجيش من هناك، عندما أدرك أن غزة مستنقع.

وإذا دخلت إسرائيل غزة بالقوة، فسوف تواجه خيارات صعبة. فإما أن تجري عملية خاطفة تلحق خسائر بحماس، لكن لا تتمكن من القضاء عليها كلياً، أو أن تنهي إدارتها ووجودها فعلياً في غزة. ويرى بعض المراقبيين أن أي من الخيارين لا يعتبر جذاباً لإسرائيل.

في حالة ما إذا صمدت حماس وتمكنت من البقاء، فسوف يعتبر ذلك انتصاراً استراتيجياً على إسرائيل. وإذا تمت الإطاحة بها، فقد لا توجد قوة فلسطينية تحل محلها، لأن السلطة الفلسطينية تفتقر إلى دعم سياسي كبير بين الفلسطينيين، وقد لجأت إلى القمع في الضفة الغربية في ظل فقدانها الكثير من الشرعية السياسية.

وبدون وجود بديل جاهز لحماس، لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى تولي السيطرة المباشرة على غزة، الأمر الذي سيؤدي على الأرجح إلى تفاقم النضال الفلسطيني، وتعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، التي قد تنهكها عسكرياً وإقتصادياً في عمليات مفتوحة مع المقاومة.

تسعى العملية العسكرية الإسرائيلية إلى إستعادة الهيبة، إذ يجادل الإسرائيليين حقيقة كانت أم مبالغة، أنه لم يسبق لليهود أن وقعت فيهم مجزرة مماثلة، منذ أحداث الهلوكست. وقد يكون ذلك مبرراً كافياً للثأر، والقيام باجتياح بري لغزة.

تقف إسرائيل أمام خيارات كل واحد منهما ينطوي على تحدي. الأول، الإكتفاء بالقصف ومواصلة الحصار على غزة، لكن هذا الخيار لا يحقق لها أهدافها الاستراتيجية ولا يعيد لها هيبتها. في نفس الوقت، لا يفتح عليها مغامرة مجهولة النتائج.

ثانياً، اجتياح غزة و محاولة “إجتثاث” حماس. إن تمكنت من ذلك، فقد يعيد لها بعض الهيبة وقوة الردع في المنطقة.

ثالثاً، أن تتوغل إسرائيل في غزة، وتطول مدة الإشتباكات، لكن لا تتمكن من حسم الأمور. ومع أن حماس قد تتكبد خسائر كبيرة، إلا أنها تبقى المسيطرة في غزة. وهذا يعد فشلاً إستراتيجياً لإسرائيل.

وفي الأخير، إذا أخطأت تقديرات إسرائيل للظروف الاقليمية ولدولية، ولمستوى قوة خصومها على كافة الجبهات، فثمة سيناريو، يراه البعض مستبعداً، لكن يبقى وارد جداً، وهو أن تدخل إسرائيل في مغامرة لإستعادة الهيبة واستعراض القوة، فتتعرض للإذلال والخيبات مرة أخرى.

وكان إنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية المخزي من أفغانستان، وهزيمتها في الفيتنام أكبر دليل على ذلك.