قضايا سياسية

عودة ترامب المحتملة تثير قلق حلفاء أمريكا…ماهي مخاطر ذلك على قضية الصحراء الغربية؟

احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض تثير بواعث القلق لدى بعض الدول، والابتهاج لدى البعض الآخر.

احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض قد تكون مفاجأة غير سارة للكثيرين. حديث بعض الأوساط الإعلامية الغرببة عن ذلك بدأ يثير بواعث القلق و الخوف لدى بعض العواصم الأوروبية من حلفاء أمريكا التقليديين.

هناك دول أخرى التي لا تشاطر إدارة الديمقراطيين في الرؤية بشأن إدارة العديد من الملفات، تتطلع إلى عودته مثل إسرائيل، والمملكة السعودية والمغرب.

تشير أحدث استطلاعات الرأي التي قامت بها شبكة “أبي سي نيوز، و”الواشنطن بوست” أن شريحة واسعة من الأمريكيين تعتبر تعامل الرئيس بايدن مع الاقتصاد والهجرة سيئ جداً.

وترى طائفة أخرى أن أوضاعهم أصبحت أسوأ في ظل رئاسته، و أنه كبير جدًا في السن، بحيث لا يسمح له ذلك بالترشح لولاية أخرى. كلها تحديات كبيرة يواجهها بايدن في حملة إعادة انتخابه المقبلة.

يتمتع ترامب بدعم أوسع بكثير داخل الحزب؛ 54% من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية يؤيدونه للترشح عن الحزب الجمهوري. وعلى الرغم من التهم الأربعة التي وجهت له في الأسابيع القليلة الأخيرة، فإنها لم تؤثر على شعبيته بين الجمهوريين.

لقد استغل ترامب التهم الموجهة له بالادعاء بأن النظام غير عادل، ولتصوير نفسه على أنه ضحية، وليس مرتكب لجنحة أو جريمة. يرى بعض المراقبين أن التهم قد تلاحقه إذا وصل للسلطة، لكن قد لا تعيق ترشيحه.

تختلف الطريقة التي تنظر بها الدول إلى إحتمال عودة ترامب من منظور ما إذا كان في ولايته الأولى كان راضي عنهم، أو معجب بشخصية زعمائهم، كما كان الحال بالنسبة لبنيامين نتنياهو في إسرائيل، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أو ما إذا كان ساخط عليهم، أو لا يبالي بهم، مثل الإتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، وإيران، و بعض المنظمات الدولية.

وصف ترامب في عهدته الأولى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها “فاشلة”. وقال إن أوروبا عليها أن تدفع مقابل حمايتها، وأنه لولا العم سام، لكانت فرنسا، ومعظم أوروبا، اليوم تتحدث الألمانية.

ولا يستبعد، إن عاد هذه المرة، أن يدعو أوروبا إلى الدفع مضاعفا، والاصطفاف خلف الولايات المتحدة الأمريكية، إذا لم يكونوا يريدون التحدث بالروسية.

قد تكون عودة ترامب بالنسبة للرئيس بوتين مختلفة عن العهدة الأولى، بسبب غزو أوكرانيا و ما راج حينها من أخبارمن أن موسكو ضالعة في شن حملة معلومات مضللة وأخبار مزيفة للإضرار بالانتخابات الأمريكية

وعلى الرغم من أن ترامب أشاد مرات بالزعيم الروسي، ووصفه بأنه “عبقري” في غزو أوكرانيا، إلا أن بوتين قال، الشهر الماضي، إن الولايات المتحدة ستظل على الأرجح معادية لروسيا، حتى لو عاد ترامب.

أما الرئيس الأوكراني زيلينسكي، قد تكون عودة ترامب كارثية عليه. يلوح في الأفق سيناريو أن ينقص أو يتوقف تدفق الأسلحة والأموال التي يعتمد عليها لمواصلة القتال.

من جهتها، قد تكون السعودية أوفر حظا، إذ يبدو أن هناك الكثير من التقاطع في السياسات مع ترامب في منطقة الشرق الأوسط. وقد لا تتسرع الرياض في عملية التطبيع مع إسرائيل إلى حين التأكد من احتمال عودة ترامب من عدمها.

وعلى الرغم من أن ترمب قام بجولة في السعودية والإمارات وجمع اربعمئة مليار دولار، وأساء إلى السعودية في حملته الإنتخابية، إلا أنهم يفضلونه على الديمقراطيين. أجرى ترامب صفقات سلاح كبيرة ومشاريع إستثمار مع الرياض، تضخ ملايير الدولارات في الحزينة الأمريكية، قال إنها “بالنسبة لولي العهد محمد بن سلمان من الناحية المالية ” كمن يشتري حبات من الفستق.

في المقابل، تغاضى ترامب عن مقتل محمد بن سلمان للسياسي السعودي جمال خاشقجي، و شدد الخناق على إيران، العدو اللدود للرياض، في إطار ما يسمى “سياسة الضغط القصوى” .

مع ذلك، كانت مقاربة ترامب في الشرق الأوسط ضارة، حيث جعل من إسرائيل مركز الجاذبية، التي ينبغي أن يدور كل شىء حولها. واستحدث صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية وفق المقاربة الإسرائيلية، ودفع باتفاقات ابراهام للتطبيع مع إسرائيل، وقطع التمويل عن الفلسطنيين، واغلق مكاتبهم في الولايات المتحدة الأمريكية.

انعاكسات عودة ترامب على قضية الصحراء الغربية؟

اعترف ترامب بالسيادة المغربية على كامل تراب الصحراء الغربية، وتعهد بفتح قنصلية في مدينة الداخلة المحتلة، مقابل تطبيع المغرب العلاقات مع إسرائيل. وتم التوقيع على اتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والمغرب يحدد لكل طرف التزاماته.

عطل خروج ترامب من السلطة الوعود التي صاحبت الإعتراف. لدى وصول إدارة بايدن، أيدت إتفاق السلام بين إسرائيل والمغرب، لكنها أبدت مؤشرات واضحة أنها لا توافق على مسألة سيادة المغرب على الصحراء الغربية. أبرز تلك المؤشرات كانت زيارة وفد من الخارجية الأمريكية يقوده مساعد نائب وزير الخارجية المكلف بالشرق الأدنى إلى مخيمات اللأجئين الصحراويين ولقاء قيادة جبهة البوليساريو.

ومع أن إدارة بايدن تراجعت عن قرار تصنيف ترامب للحوثيين منظمة إرهابية، وقرارات أخرى متعلقة بالانسحاب من منظمات دولية، إلا أنها لم تعدل عن الإعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

تتبنى إدارة بايدن موقفا متناقضا وغامضا. فمن جهة، لم تتراجع عن الإعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مراعاة لمصالح إسرائيل، وإلى حد ما علاقاتها مع المغرب. ومن جهة أخرى، لم تؤكده، لما لذلك من ضرر على سمعة الولايات المتحدة الأمريكية بصفته خرقا سافراً للقانون الدولي.

و في المحصلة، يظل الإعتراف معلق، تتعامل معه كل إدارة على النحو الذي يتماشى مع سياستها ومصالحها.

عودة ترامب قد تجعله يسير في النهج الذي بدأه في أواخر عهدته، من الإستمرار في مسألة الإعتراف، مع أن مسألة فتح القنصلية قد تتخذ وقتاً طويلاً، وقد لا تحدث، لأنه مكان معزول بدون فائدة لأمريكا.

إذا سار ترامب على نفس النهج، قد يسبب متاعب للبوليساريو ولحلافائها. أسوأ الإحتمالات أن يغلق مكتبي البوليساريو في واشنطن ونيورك، مثلما فعل مع منظمة التحرير الفلسطينية، أو يذهب أبعد من ذلك ويصنفها حركة إرهابية، مثلما فعل مع الحوثيين أو الحرس الثوري الإيراني.

وثمة سيناريو آخر، وهو أن تحافظ الإدارة على موقف متوازن، ما دام المغرب إنخرط في عملية التطبيع مع إسرائيل، وتل أبيب، من جهتها، اعترفت للمغرب بالسيادة المزعومة على الصحراء الغربية.

مشكلة ترامب أنه شخصية محيرة وغامضة، ويصعب التكهن بالخطوات التي قد يقدم عليها. يكفي ما سببه من انقسامات داخلية في بلده، وتحريض مناصيره للهجوم على الكونغرس، والإضرار بالمؤسسات الأمريكية وديمقراطيتها.

السيناوريو الأكثر ترجيحاً هو أن تكون عهدة ترامب الثانية مغايرة تماماً، لأن العالم لم يعد مشابه لما تركه في 2020. لم تعد الولايات المتحدة القوة الوحيدة التي ترسم للعالم كيف يسير. لقد تجلى ذلك في توجهات بعض دول الخليج نحو الصين والبريكس، وفي انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، واشتداد التنافس مع الصين وروسيا.

أعطى ما بات يوصف من قبل العديد من الخبراء ب”الحرب الباردة الجديدة” صوت أقوى لدول الجنوب، وخيارات واسعة لتنويع الشركاء، لم تكن متاحة في السابق. أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج دعم هذه الدول لمواجهة روسيا والصين. ويكفي القول إن أمريكا تحتاج حتى لجزيرتي نوايو و كوك.

ومثلما أشار إلى ذلك وزير الدفاع الأمريكي السابق، روبرت غيتس في مقال حديث في “الفورين افيرز” الخطر الذي يتهدد أمريكا ينبع من التجاذبات السياسية الداخلية. لقد أذكى ترامب النعرات والانقسانات في البلد، وقد تسبب عودته مزيد من التقهقر والانحطاط لأمريكا .

ليس هناك شئ يدفع على البهجة والحبور بالنسبة لبوتين و شي جنبيغ من نبأ إعلان إنتخاب الرئيس ترامب لعهدة ثانية على رأس البيت الأبيض.