قضايا سياسية

هل تنجح السعودية في عقد قمة الشراكة العربية الأفريقية؟

من المرتقب أن تحتضن المملكة العربية السعودية القمة الخامسة للشراكة الإستراتيجية بين منظمة الإتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية يومي 10-11 نوفمبر.

وتسعى الرياض إلى عقد قمتين متزامنتين: القمة العربية الأفريقية، والقمة السعودية الإفريقية. ويثار تساؤول عريض حول المغزى من عقد قمتين دفعة واحدة.

و حسب مصادر مطلعة، فإن ثمة مساعي دؤبة من قبل الرياض للحيلولة دون مشاركة الجمهورية الصحراوية. وقد يكون دافعها من وراء عقد قمة ثنائية مع إفريقيا، كخطة بديلة، تحسباً لاحتمال فشل القمة العربية الأفريقية أو تأجيلها مرة أخرى.

وكانت الرياض، ودول عربية أخرى، انسحبت من القمة الأفريقية العربية بغينيا الاستوائية عام 2016، تضامناً مع المغرب الذي لم يكن وقتها عضو في الإتحاد الإفريقي. واحتجت هذه الدول على وجود مقعد فارغ وشارة بإسم الجمهورية الصحراوية في اجتماع القمة، لكن لم تفضي تلك الجهود إلى إعاقة سير أشغال القمة أو فشلها.

وقد حسمت منظمة الإتحاد الإفريقي مسألة الشراكات الاستراتيجية مع المنظمات النظيرة، في قمتها الثالثة والثلاثين بأديس أبابا عام 2020، وكرست مبدأ مشاركة جميع الدول الأعضاء.

وكان لزاماً على منظمات وازنة مثل الإتحاد الأوروبي، أو دولا مثل اليابان – التي تأخذ الشراكة معها طابع المنظمات النظيرة- أن تتخلى عن مسوغات عدم اعترافها بالجمهورية الصحراوية لمنع مشاركتها، وأن تنظر إليها في إطار منظمة الإتحاد الإفريقي.

واضطرت الدول الأوروبية إلى التخلي عن صيغة “إفريقيا أوروبا” التي ابتكروها في القاهرة عام 2000، لضمان حضور المغرب – الذي كان يوجد حينها خارج المنظمة – ومنع حضور الجمهورية الصحراوية.

وقد بذلت اليابان ما بوسعها، في مناسبات عديدة، لمنع مشاركة الجمهورية الصحراوية في قمة الشراكة التي تجمعها بالإتحاد الإفريقي المعروفة إختصاراً ب”تيكاد”. وكانت مجبرة أن تختار بين أمرين؛ الاصطفاف مع المغرب أو خسارة أفريقيا.

قد يتعين على السعودية، هي الأخرى، أن تختار بين قمم الشراكة الإستراتيجية، التي تمنحها وضعا متقدماً مع إفريقيا، أو ترهن مصالح المنظمة العربية للحسابات الضيقة والمصالح الفردية.

لقد أبدى الإتحاد الأفريقي مواقف حازمة في مقاطعة القمم أو الإجتماعات التي لا يلتزم الشركاء بالقواعد والضوابط التنظيمية التي وضعها، مثلما حدث في إجتماع اللجنة الإقتصادية الإفريقية مع الأمم المتحدة في السنغال 2017، أو إجتماع مجلس الوزراء الأفارقة للمياه في الغابون 2018.

ومنذ 2006، تأجلت القمة العربية الأفريقية الخامسة عدة مرات، كان أحد أسبابها اعتراض الإتحاد الإفريقي على تحديد أجندة القمة وتاريخها من جانب الرياض، دون التشاور والتنسيق مع مفوضية الإتحاد الأفريقى.

إقرأ أيضاً: الرياض تحتضن قمة الشراكة بين الإتحاد الأفريقي والجامعة العربية

هل يتغلب المال والنفط السعودي على قوة مؤسسات الإتحاد الإفريقي؟

يعمل الإتحاد الأفريقي على صياغة استراتيجية جديدة للشراكات، ترمي إلى إعادة مراجعة صيغة التعامل مع الشركاء الخارجيين من الدول المنفردة، كتلك التي تربط بين إفريقيا وروسيا على سبيل المثال لا الحصر. ولا تشمل هذه المراجعة الشراكات بين الإتحاد الأفريقي والمنظمات النظيرة مثل “الإتحاد الإفريقي والإتحاد الأوروبي” وغيرها من الشراكات المماثلة.

و في عام 2006، وجه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، أثناء قمة الإتحاد الإفريقي بغامبيا، انتقادا لاذعاً للقمم التي تجمع بين أفريقيا ودولة منفردة، أو ما يعرف بأفريقيا+1.

وقال معمر القذافي إنه من المهين أن يسافر 54 رئيس دولة أو حكومة للقاء رئيس دولة أو رئيس حكومة واحدة. ودعى إلى إعتماد صيغة مغايرة، تحافظ على “كرامة إفريقيا ولا تشكل إذلالاً للقارة”.

وقد دار النقاش بين أعضاء الإتحاد الإفريقي حول من ينبغي أن يحضر في قمم “إفريقيا +1″، خاصةً أنه في الكثير من الأحيان تُغلب الدول مصالحها الثنائية على المصالح القارية، عند التعامل مع الشركاء والتنافس على الموارد.

وعلى الرغم من أن المنظمة اعتمدت “صيغة بانجول” في 2006، التي تقضي بتقليص تمثيل الدول في الشراكة الثنائية بين القارة ودولة منفردة، و جرى تعديل طفيف عليها في تقرير الرئيس الروندي بول كغامي المقدم لقمة الإتحاد الإفريقي بأديس أبابا عام 2017، إلا أن الدول الأعضاء التزمت بها لفترة معينة، وسرعان ما انقلبت عليها.

واستقر الرأي، في نهاية المطاف، على وقف جميع الشراكات الجديدة بين أفريقيا والدول المنفردة، إلى حين إجراء مراجعة شاملة لشراكات الاتحاد الأفريقي. وقررت المنظمة مواصلة التقيد بإلتزاماتها بخصوص الشراكات القديمة ( الإتحاد الإفريقي تركيا، الإتحاد الإفريقي روسيا… إلخ).

وسبق للملكة العربية السعودية أن طلبت من الإتحاد الإفريقي عقد شراكة ثنائية، على شاكلة تلك الجارية مع روسيا وتركيا و الصين والولايات المتحدة، لكن لم يتم البت فيها، لأن شراكات الإتحاد الإفريقي الجديدة مع الدول، ما زالت قيد المراجعة.

ويرى مراقبون للشأن الإفريقي أن العديد من المسؤولين الأفارقة يساورهم القلق من أن دعوة السعودية لعقد قمة ثنائية مع إفريقيا، تشكل تجاوز لنظم الإتحاد الإفريقي وإجراءاته، التي نصت على وقف جميع الشراكات الجديدة مع الدول.

ومن غير المستبعد أن يكون السبب الرئيسي وراء إقدام الرياض على هذه الخطوة، الخشية من فشل قمة الإتحاد الإفريقي- الجامعة العربية أو تأجيلها، بسبب إعتراضها على حضور الجمهورية الصحراوية.

وثمة من يعزو هذا السلوك المثير للإستغراب إلى الضعف الذي تشهده المنظمة في فترة ولاية موسى فكي لمفوضية الأتحاد الإفريقي، وافتقاره للرؤية والقيادة. وسبق أن ارتكب موسى فكي العديد من التجاوزات، من بينها منح إسرائيل صفة مراقب في الإتحاد الأفريقي في 2022، من دون إخطار الدول الأعضاء بذلك، مما أدى بمجموعة من الدول إلى التصدي لتلك الخطوة، وتجميد عضويتها.

وتشير مصادر مضطلعة، أن الرياض تُرتب للقمة الأفريقية العربية بمفردها، دون التشاور أو التنسيق مع الأفارقة عبر منظمة الإتحاد الإفريقي، ولا مع العرب عبر جامعة الدول العربية.

وقد تلقى الرؤساء الأفارقة دعوة بالحضور في قمتين، من دون أن يحصلوا على الوثائق المتعلقة بالقمة، أو تكون لديهم أدنى فكرة عن المواضيع التي سوف تعالج أو تخضع للنقاش. وبات من يرى أن القمة لا تعدو كونها مناسبة لالتقاط صورة مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لإبراز مكانة بلاده.

وقد تستغل الرياض الحضور الافريقي والعربي لعقد قمة ثالثة حول غزة، يراد لها إبراز دور السعودية في الملف الفلسطيني، الذي بات محور المقاومة الموالي لإيران يلعب فيه دوراً أكبر، ويلقى تعاطف عربي وإسلامي أوسع.

تسعى السعودية منذ سنوات إلى تعميق العلاقات مع القارة الإفريقية، حيث يقدم الصندوق السعودي للتنمية قروضاً ومنحاً تتجاوز عددها 580 لأكثر من 50 دولة إفريقية، بقيمة تقارب 13.5 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن التساهل مع الرياض في تجاوز نظم الإتحاد الأفريقي، من شأنه أن تترتب عنه إنعكاسات خطيرة على المنظمة، إذ قد يدفع أطراف أخرى إلى حذو حذوها في المستقبل، فإن بعض الدول ينصب إهتمامها على ما يمكن أن تجنيه من استثمارات أو منافع.

وقد يكون أسوأ ما في الأمر أن سلوك الرياض تجاه المنظمة الأفريقية، يكرس ما كان يحذر منه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي “إذلال القارة”.

قمم الشراكة كابوس للمغرب

يشعر المغرب بقلق بالغ من إحتمال جلوس الجمهورية الصحراوية إلى جانب الدول العربية، إذ يعتبر ذلك اعترافا بها، وترسيخا لمكانتها.

وتتفاوت مواقف الدول العربية من قضية الصحراء الغربية بين من يعترف بالجمهورية الصحراوية مثل الجزائر وموريتانيا وليبيا وسوريا، وأخرى تعايشت معها في إطار الإتحاد الإفريقي مثل مصر وتونس والصومال وجيبوتي وجزر القمر.

أما باقي الدول العربية، فيميل العديد منها إلى الأطروحة المغربية، خاصةً دول الخليج، التي بادر بعضها إلى فتح قنصليات في مدن الصحراء الغربية المحتلة.

وعلى الصعيد الإفريقي، ه‍ناك من الدول الأفريقية التي تدعم أطروحات المغرب بخصوص الصحراء الغربية، لكنها ترى من التناقض الصارخ أن يجلس المغرب إلى جانب الجمهورية الصحراوية في الإتحاد الإفريقي، و يعترض على ذلك مع منظمات وشركاء آخرين.

ويجدر بالذكر أن المغرب إنضم للاتحاد الأفريقي في يناير 2017، وصادق على الميثاق التأسيسي لمنظمة الذي يلزمه بإحترام حدود الجمهورية الصحراوية وسيادتها.

مع ذلك، لا يعتبر المغرب انضمامه للإتحاد الإفريقي اعترافا بالجمهورية الصحراوية. ويسعى من داخل المنظمة إلى إعاقة حضورها في الشراكات والتكتلات الدولية، ومحاصرة الزخم الذي تحظى به داخل القارة.

وشهدت مشاركة الجمهورية الصحراوية في قمم الشراكة ردود فعل متفاوتة من قبل الرباط. قاطعت بعضها مثل قمة تيكاد في تونس 2022، و إجتماع تكتل البريكس في جنوب أفريقيا 2023، بينما تجنبت الوقوع في عزلة، وحضرت البعض الآخر، مثل قمة ابيجان والإتحاد الأوروبي في بروكسل فبراير 2022، وتيكاد في اليابان 2019، من بين قمم أخرى.

تعقد الرباط آمال عريضة على الرياض للحيلولة دون حضور الجمهورية الصحراوية في قمة الإتحاد الإفريقي ـ الجامعة العربية، مما يضع قوة مؤسسات الإتحاد الإفريقي في إمتحان صعب أمام قوة المال والنفط السعودي.